[i] بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
واصلي واسلم علي خاتم الانبياء وسيد المرسلين
سيدنا محمد علية افضل الصلاة واتم التسليم
اما بعد
عباد الله
تذكروا الموت والقبر
الحمد لله الذي هدم بالموت نشيد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدار، لا يمتنع منه ممتنع بجدار، ولا يحترس منه محترس بكثرة جموع وأنصار ، حكمة بالغة من حكيم ذي اقتدار،أحمده سبحانه وأشكره ،وفضله على شاكره مدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
عباد الله :
اتقوا الله تعالى وتأهبوا للموت الذي ما طلب أحدا فأعجزه .
عباد الله :
إنه لجدير بمن الموت مصرعه ومصيره، والتراب مضجعه والدود أنيسه، ومنكر ونكير سائله، وعمله جليسه، والقبر مسكنه ، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، أن لا يكون له فكر إلا الموت ولا ذكر إلا له ولا استعداد إلا لأجله، ولا تدبير إلا فيه، وإنه لحقيق به أن يعد نفسه من الموتى ويراها في أصحاب القبور
روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) رواه الترمذي وحسنه وابن ماجة وأحمد( )
عباد الله :
إن في الجنائز عبرة لأهل العقول والأبصار وتنبيها لأهل الأحلام وأولي النهى، وتذكيرا لأهل الإعراض والغفلة الذين لا تزيدهم مشاهدة الموتى إلا قساوة وبعدا، لأنهم ظنوا أنهم أبدا إلى جنائز غيرهم ينظرون ولا يحسبون أنهم على الجنائز سيحملون
قال عمر ابن عبد العزيز رحمه الله :
أيها الناس ألا ترون أنكم تجهزون كل يوم غاديا ورائحا إلى الله ، تضعونه في سبع من الأرض قد توسد التراب وفارق الأحباب وقطع الأسباب
قف بالمقابر واذكر إن وقفت بها: لله درك ماذا تستر الحفر
ففيهمو لك يا مغرور موعظة: وفيهمو لك يا مغرور معتبر
كانوا ملوكا تواريهم قصورهمو: دهرا فوارتهمو من بعدها الحفر
وقال ثابت البناني رحمه الله : كنا نشهد جنازة فلا نرى إلا مطرقا باكيا ولا ندري من نعزي لكثرة البكاء وإنما كان بكاءهم على أنفسهم لا على الميت ، فإذا حملت إلى القبور جنازة :فاعلم بأنك بعدها محمول
عباد الله :
لقد أعددنا لهذه الحياة واشتغلنا فيها بالملهيات وغرتنا المغريات عن الاستعداد للآخرة .
لما رجع علي رضي الله عنه من صفين أشرف على القبور ثم قال: يا أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، والقبور المظلمة، يا أهل التربة، يا أهل الغربة، يا أهل الوحشة ، أما الدور فقد سكنت ، وأما الأزواج فقد نكحت ، وأما الأموال فقد قسمت ، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم . ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى .
فيا من غفلتم عن الموت ولم تعدوا لنزول القبر وعمرتم القصور الشاهقة وتلذذتم بالفرش الوافرة والنعم الشهية، تذكروا التراب الذي ستدفنون فيه والظلمة التي ستسيرون إليها في القبور ، واعلموا أن القبر موحش مظلم إلا على من أناره الله وآنسه عليه ، ألا فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة.
عباد الله :
إن الدنيا بقاءها قليل، وعزيزها ذليل، وغنيها فقير، شبابها يهرم ،وجديدها يبلى، وضيفها يرحل، وحيها يموت، فلا يغرنكم إقبالها عليكم مع معرفتكم بسرعة إدبارها فالمغرور حقا من اغتر بها، أين سكانها الذين بنوا مدائنها وشقوا أنهارها وغرسوا أشجارها وأقاموا فيها أياما طويلة ، غرتهم صحتهم وخدعهم نشاطهم وألهتهم الأماني والمنون، فركبوا المعاصي وغفلوا عن الطاعة ، كانوا والله في الدنيا مغبوطين بالأموال الكثيرة والصحة العظيمة فأخذهم هادم اللذات وفرقهم مفرق الجماعات نغص نعيمهم وكدر عيشهم وقطع لذتهم وراحتهم فدخلوا القبور بعد القصور وتوسدوا التراب بعد الديباج وخالطتهم الديدان والهوام بعد الخدم والخلان ، كانوا في الدنيا على أسرة ممهدة وفرش منضدة بين خدم يخدمون وأهل يكرمون وجيران يعضدون ويواسون، فإذا مررت بمقابرهم فنادهم إن كنت مناديا وادعهم إن كنت لا بد داعيا ومر بعسكرهم وانظر ماذا فعل التراب بأبدانهم والرمل بأجسادهم والدود بعظامهم وأوصالهم وانظر إلى تقارب منازلهم التي كان بها عيشهم، وسل غنيهم ما بقي من غناه وفقيرهم ما بقي من فقره، سلهم عن الألسنة التي كان في الحرام بها يتكلمون، وعن الأعين التي كان بها إلى اللذات ينظرون وسلهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة والأجساد الناعمة ما صنعت بها القبور والله لقد محت الألوان وأكلت اللحمان وعفرت الوجوه ومحت المحاسن وكسرت القفار وأبانت الأعضاء ، أين مجالسهم وقبابهم التي كانوا بها يجلسون، وأين خدمهم وعبيدهم الذي كانوا يخدمون وأين جمعهم وكنوزهم التي كانوا يدخرون، والله ما زودوا في القبور فراشا ولا وضعوا هناك متكئا ولا غرسوا فيها شجرا ولا أنزِلوا من اللحد قرارا ، أليسوا في منازل الخلوات والفلوات غرباء ، أليس الليل والنهار عليهم سواء قد حيل بينهم وبين ما يشتهون انقطعت أعمالهم وفارقوا أحبابهم وانقطع عنهم نعيمهم، فكم من ناعم وناعمة أصبحوا ووجوههم في القبور بالية وأجسادهم في أعناقه نائية، وأوصالهم ممزقة، قد سالت الحدق على الوجنات وامتلأت الأفواه دما وقيحا وصديدا، ودب الدواب الأرض في أجسادهم ففرقت أعضاءهم، ثم لم يلبثوا والله إلا يسيرا حتى عادت العظام رميما والأجسام حطاما، قد فارقوا الحدائق وساروا بعد السعة إلى المضائق وتزوجت نساؤهم وترددت في الطرقات أبناءهم وتوزعت القرابات ديارهم وأموالهم، فمنهم والله الموَسَّع في قبره الغض الناظر فيه المتنعم بلذاته ، ومنهم والله المضيَّق عليه في قبره المنغَّص عليه فيه ،المعجل له العذاب ، فيا ساكن القبر غدا ما الذي غرك عن الآخرة من الدنيا ، هل تعلم أنك تبقى فيها أو أنها تبقى لك، فأين الأمم الخالية إذا وأين الأجيال المتعاقبة على هذا الدار، أين الأنبياء المرسلون وأين العظماء والملوك ، أما ترى الموت يحل بهم ،الموت من حولك ومن أمامك ومن خلفك صغارا وكبارا ورجالا و نساءا ملوكا و مملوكين ،فلا يدفعونه عن أنفسهم يتقلبون في غمرات الموت وسكراته ، قد جاءهم أمر الله فلم يستقدموا ساعة ولا يستأخرون فيا مغمض الوالد والولد ويا مغسل الأقرب والصديق ويا مكفن الموت وحامله، يا من تركته في القبر راجعا عنه اتق الله في نفسك اتق الله في نفسك وابك على نفسك قبل أن يبكى عليك اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ،الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آ له وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله :
اتقوا الله تعالى وأطيعوه.
عباد الله :
ما أفظع القبور وما أشد وحشتها وما أبعد غربتها فيا أيها الغافلون عنها ويا أيها الناسون للموت، المقصرون في عبادة الله وطاعته، المضيعون لحدود الله وأوامره المفتونون بالدنيا حلالها وحرامها المخدوعون ببريقها وسرابها الزائل زوروا القبور وتذكروا في تلك الديار الموحشة والبيوت المظلمة فلا إله إلا الله كيف تكون الليلة الأولى في القبر لمن عصى الله تعالى وغفل عنه فلم يستعد بالأعمال الصالحة وحيدا فريدا لا أنيس ولا جليس لا زوجة ولا أطفال ولا أصدقاء ولا أحباب ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين {وقال تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وظل عنكم ما كنتم تزعمون}[الأنعام/94] فيا مدبرا عن المساجد ما عرف الصلاة ، يا معرضا عن الله تعالى يا منتهكا لحدود حرمها الله ، يا ناشئا في معاصي الله يا غافلا عن طاعة الله ، تذكر القبر وظلمته تذكر الأكفان والحنوط إذا وضعن عليك وحملت على الأكتاف وأدخلت التراب تذكر الصراط وزلته والموقف وكربته والحساب وشدته. دخل أبو العتاهية على هارون الرشيد حين بنى قصره العظيم ودخل فيه فلما رأه طلب منه أن يقول فيه شعرا فأنشأ يقول:
عش ما بدا لك سالما في ظل شاهقة القصور
تجرى عليك ما أردت مع الغدو مع البكور
فانشرح هارون وزاد انبساطه وقال له: زد فقال:
فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور
فبكى هارون الرشيد حتى أغمي عليه
ودخل ابن زياد على عمر ابن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين رأيناك وأنت بمكة قبل أن تتولى الخلافة في نعمة وصحة وفي عافية رغيده فما الذي غيرك فبكى عمر حتى كادت أضلاعه تختلف ثم قال: كيف بك يا ابن زياد لو رأيتني في القبر بعد ثلاثة أيام، يوم أجرد عن الثياب وأوشى في التراب وأفارق الأصحاب وأترك الأحباب لو رأيتني بعد ثلاث والله لرأيت منظرا يسوءك .
وكان عثمان ابن عفان رضي الله عنه إذا مر على قبر بكى حتى تخضل لحيته من البكاء فقيل له : تذكر الجنة والنار ولا تبكي وتبكي من هذا فيقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينجو منه فما بعده أشد منه ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه) رواه أحمد وابن ماجة( ) وهذا ميمون ابن مهران رحمه الله يقول : خرجت مع عمر ابن عبد العزيز إلى المقبرة فلما نظر إلى القبور بكى طويلا ثم أقبل علي فقال: يا ميمون هذه قبور آبائي بني أمية كأنه لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم وعيشهم ،أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم فيهم البلى وأصابت الهوام في أبدانهم مقيلا ثم غشي عليه فلما أفاق قال: انطلق بنا فو الله ما أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله فصار إلى ما ترى.
عباد الله : إن أمرا آخره الموت والمصير إلى هذه القبور، لحقيق أن يزهد في أوله وإن أمر أوله القبور لحقيق أن يخاف آخره ، نسأل الله أن يجعل قبورنا بعد هذه الدار من خير منازلنا وأن يفسح فيها ضيق ملاحدنا وأن يجعلها روضة من رياض الجنة وأن ينور علينا ظلمتها ويؤنس وحشتنا ويرحم غربتنا إنه سميع قريب مجيب الدعاء
عباد الله : {إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}[الأحزاب/56]
فقد قال صلى الله عليه وسلم : من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا )( ) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين واحم حوزة الدين
اللهم انصر دينك وانصر من نصر دينك واجعلنا من أنصار دينك يا رب العالمين
اللهم وأنج المستضعفين من المؤمنين والمؤمنات في كل مكان من أرضك يا رب العالمين
اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا وأصلح ووفق ولاة أمورنا
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم اصرف عنا وعن جميع المسلمين من شر ما قضيت
اللهم الطف بنا وبالمسلمين في قضائك وقدرك
اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولأولادنا ولأزواجنا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعينوم عرفة وفضل الأضحية عن الحي وعن الميت
[b]
واصلي واسلم علي خاتم الانبياء وسيد المرسلين
سيدنا محمد علية افضل الصلاة واتم التسليم
اما بعد
عباد الله
تذكروا الموت والقبر
الحمد لله الذي هدم بالموت نشيد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدار، لا يمتنع منه ممتنع بجدار، ولا يحترس منه محترس بكثرة جموع وأنصار ، حكمة بالغة من حكيم ذي اقتدار،أحمده سبحانه وأشكره ،وفضله على شاكره مدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
عباد الله :
اتقوا الله تعالى وتأهبوا للموت الذي ما طلب أحدا فأعجزه .
عباد الله :
إنه لجدير بمن الموت مصرعه ومصيره، والتراب مضجعه والدود أنيسه، ومنكر ونكير سائله، وعمله جليسه، والقبر مسكنه ، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، أن لا يكون له فكر إلا الموت ولا ذكر إلا له ولا استعداد إلا لأجله، ولا تدبير إلا فيه، وإنه لحقيق به أن يعد نفسه من الموتى ويراها في أصحاب القبور
روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) رواه الترمذي وحسنه وابن ماجة وأحمد( )
عباد الله :
إن في الجنائز عبرة لأهل العقول والأبصار وتنبيها لأهل الأحلام وأولي النهى، وتذكيرا لأهل الإعراض والغفلة الذين لا تزيدهم مشاهدة الموتى إلا قساوة وبعدا، لأنهم ظنوا أنهم أبدا إلى جنائز غيرهم ينظرون ولا يحسبون أنهم على الجنائز سيحملون
قال عمر ابن عبد العزيز رحمه الله :
أيها الناس ألا ترون أنكم تجهزون كل يوم غاديا ورائحا إلى الله ، تضعونه في سبع من الأرض قد توسد التراب وفارق الأحباب وقطع الأسباب
قف بالمقابر واذكر إن وقفت بها: لله درك ماذا تستر الحفر
ففيهمو لك يا مغرور موعظة: وفيهمو لك يا مغرور معتبر
كانوا ملوكا تواريهم قصورهمو: دهرا فوارتهمو من بعدها الحفر
وقال ثابت البناني رحمه الله : كنا نشهد جنازة فلا نرى إلا مطرقا باكيا ولا ندري من نعزي لكثرة البكاء وإنما كان بكاءهم على أنفسهم لا على الميت ، فإذا حملت إلى القبور جنازة :فاعلم بأنك بعدها محمول
عباد الله :
لقد أعددنا لهذه الحياة واشتغلنا فيها بالملهيات وغرتنا المغريات عن الاستعداد للآخرة .
لما رجع علي رضي الله عنه من صفين أشرف على القبور ثم قال: يا أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، والقبور المظلمة، يا أهل التربة، يا أهل الغربة، يا أهل الوحشة ، أما الدور فقد سكنت ، وأما الأزواج فقد نكحت ، وأما الأموال فقد قسمت ، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم . ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى .
فيا من غفلتم عن الموت ولم تعدوا لنزول القبر وعمرتم القصور الشاهقة وتلذذتم بالفرش الوافرة والنعم الشهية، تذكروا التراب الذي ستدفنون فيه والظلمة التي ستسيرون إليها في القبور ، واعلموا أن القبر موحش مظلم إلا على من أناره الله وآنسه عليه ، ألا فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة.
عباد الله :
إن الدنيا بقاءها قليل، وعزيزها ذليل، وغنيها فقير، شبابها يهرم ،وجديدها يبلى، وضيفها يرحل، وحيها يموت، فلا يغرنكم إقبالها عليكم مع معرفتكم بسرعة إدبارها فالمغرور حقا من اغتر بها، أين سكانها الذين بنوا مدائنها وشقوا أنهارها وغرسوا أشجارها وأقاموا فيها أياما طويلة ، غرتهم صحتهم وخدعهم نشاطهم وألهتهم الأماني والمنون، فركبوا المعاصي وغفلوا عن الطاعة ، كانوا والله في الدنيا مغبوطين بالأموال الكثيرة والصحة العظيمة فأخذهم هادم اللذات وفرقهم مفرق الجماعات نغص نعيمهم وكدر عيشهم وقطع لذتهم وراحتهم فدخلوا القبور بعد القصور وتوسدوا التراب بعد الديباج وخالطتهم الديدان والهوام بعد الخدم والخلان ، كانوا في الدنيا على أسرة ممهدة وفرش منضدة بين خدم يخدمون وأهل يكرمون وجيران يعضدون ويواسون، فإذا مررت بمقابرهم فنادهم إن كنت مناديا وادعهم إن كنت لا بد داعيا ومر بعسكرهم وانظر ماذا فعل التراب بأبدانهم والرمل بأجسادهم والدود بعظامهم وأوصالهم وانظر إلى تقارب منازلهم التي كان بها عيشهم، وسل غنيهم ما بقي من غناه وفقيرهم ما بقي من فقره، سلهم عن الألسنة التي كان في الحرام بها يتكلمون، وعن الأعين التي كان بها إلى اللذات ينظرون وسلهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة والأجساد الناعمة ما صنعت بها القبور والله لقد محت الألوان وأكلت اللحمان وعفرت الوجوه ومحت المحاسن وكسرت القفار وأبانت الأعضاء ، أين مجالسهم وقبابهم التي كانوا بها يجلسون، وأين خدمهم وعبيدهم الذي كانوا يخدمون وأين جمعهم وكنوزهم التي كانوا يدخرون، والله ما زودوا في القبور فراشا ولا وضعوا هناك متكئا ولا غرسوا فيها شجرا ولا أنزِلوا من اللحد قرارا ، أليسوا في منازل الخلوات والفلوات غرباء ، أليس الليل والنهار عليهم سواء قد حيل بينهم وبين ما يشتهون انقطعت أعمالهم وفارقوا أحبابهم وانقطع عنهم نعيمهم، فكم من ناعم وناعمة أصبحوا ووجوههم في القبور بالية وأجسادهم في أعناقه نائية، وأوصالهم ممزقة، قد سالت الحدق على الوجنات وامتلأت الأفواه دما وقيحا وصديدا، ودب الدواب الأرض في أجسادهم ففرقت أعضاءهم، ثم لم يلبثوا والله إلا يسيرا حتى عادت العظام رميما والأجسام حطاما، قد فارقوا الحدائق وساروا بعد السعة إلى المضائق وتزوجت نساؤهم وترددت في الطرقات أبناءهم وتوزعت القرابات ديارهم وأموالهم، فمنهم والله الموَسَّع في قبره الغض الناظر فيه المتنعم بلذاته ، ومنهم والله المضيَّق عليه في قبره المنغَّص عليه فيه ،المعجل له العذاب ، فيا ساكن القبر غدا ما الذي غرك عن الآخرة من الدنيا ، هل تعلم أنك تبقى فيها أو أنها تبقى لك، فأين الأمم الخالية إذا وأين الأجيال المتعاقبة على هذا الدار، أين الأنبياء المرسلون وأين العظماء والملوك ، أما ترى الموت يحل بهم ،الموت من حولك ومن أمامك ومن خلفك صغارا وكبارا ورجالا و نساءا ملوكا و مملوكين ،فلا يدفعونه عن أنفسهم يتقلبون في غمرات الموت وسكراته ، قد جاءهم أمر الله فلم يستقدموا ساعة ولا يستأخرون فيا مغمض الوالد والولد ويا مغسل الأقرب والصديق ويا مكفن الموت وحامله، يا من تركته في القبر راجعا عنه اتق الله في نفسك اتق الله في نفسك وابك على نفسك قبل أن يبكى عليك اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ،الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آ له وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله :
اتقوا الله تعالى وأطيعوه.
عباد الله :
ما أفظع القبور وما أشد وحشتها وما أبعد غربتها فيا أيها الغافلون عنها ويا أيها الناسون للموت، المقصرون في عبادة الله وطاعته، المضيعون لحدود الله وأوامره المفتونون بالدنيا حلالها وحرامها المخدوعون ببريقها وسرابها الزائل زوروا القبور وتذكروا في تلك الديار الموحشة والبيوت المظلمة فلا إله إلا الله كيف تكون الليلة الأولى في القبر لمن عصى الله تعالى وغفل عنه فلم يستعد بالأعمال الصالحة وحيدا فريدا لا أنيس ولا جليس لا زوجة ولا أطفال ولا أصدقاء ولا أحباب ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين {وقال تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وظل عنكم ما كنتم تزعمون}[الأنعام/94] فيا مدبرا عن المساجد ما عرف الصلاة ، يا معرضا عن الله تعالى يا منتهكا لحدود حرمها الله ، يا ناشئا في معاصي الله يا غافلا عن طاعة الله ، تذكر القبر وظلمته تذكر الأكفان والحنوط إذا وضعن عليك وحملت على الأكتاف وأدخلت التراب تذكر الصراط وزلته والموقف وكربته والحساب وشدته. دخل أبو العتاهية على هارون الرشيد حين بنى قصره العظيم ودخل فيه فلما رأه طلب منه أن يقول فيه شعرا فأنشأ يقول:
عش ما بدا لك سالما في ظل شاهقة القصور
تجرى عليك ما أردت مع الغدو مع البكور
فانشرح هارون وزاد انبساطه وقال له: زد فقال:
فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور
فبكى هارون الرشيد حتى أغمي عليه
ودخل ابن زياد على عمر ابن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين رأيناك وأنت بمكة قبل أن تتولى الخلافة في نعمة وصحة وفي عافية رغيده فما الذي غيرك فبكى عمر حتى كادت أضلاعه تختلف ثم قال: كيف بك يا ابن زياد لو رأيتني في القبر بعد ثلاثة أيام، يوم أجرد عن الثياب وأوشى في التراب وأفارق الأصحاب وأترك الأحباب لو رأيتني بعد ثلاث والله لرأيت منظرا يسوءك .
وكان عثمان ابن عفان رضي الله عنه إذا مر على قبر بكى حتى تخضل لحيته من البكاء فقيل له : تذكر الجنة والنار ولا تبكي وتبكي من هذا فيقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينجو منه فما بعده أشد منه ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه) رواه أحمد وابن ماجة( ) وهذا ميمون ابن مهران رحمه الله يقول : خرجت مع عمر ابن عبد العزيز إلى المقبرة فلما نظر إلى القبور بكى طويلا ثم أقبل علي فقال: يا ميمون هذه قبور آبائي بني أمية كأنه لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم وعيشهم ،أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم فيهم البلى وأصابت الهوام في أبدانهم مقيلا ثم غشي عليه فلما أفاق قال: انطلق بنا فو الله ما أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله فصار إلى ما ترى.
عباد الله : إن أمرا آخره الموت والمصير إلى هذه القبور، لحقيق أن يزهد في أوله وإن أمر أوله القبور لحقيق أن يخاف آخره ، نسأل الله أن يجعل قبورنا بعد هذه الدار من خير منازلنا وأن يفسح فيها ضيق ملاحدنا وأن يجعلها روضة من رياض الجنة وأن ينور علينا ظلمتها ويؤنس وحشتنا ويرحم غربتنا إنه سميع قريب مجيب الدعاء
عباد الله : {إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}[الأحزاب/56]
فقد قال صلى الله عليه وسلم : من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا )( ) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين واحم حوزة الدين
اللهم انصر دينك وانصر من نصر دينك واجعلنا من أنصار دينك يا رب العالمين
اللهم وأنج المستضعفين من المؤمنين والمؤمنات في كل مكان من أرضك يا رب العالمين
اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا وأصلح ووفق ولاة أمورنا
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم اصرف عنا وعن جميع المسلمين من شر ما قضيت
اللهم الطف بنا وبالمسلمين في قضائك وقدرك
اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولأولادنا ولأزواجنا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعينوم عرفة وفضل الأضحية عن الحي وعن الميت
[b]